وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
تقبل الله أعمالكم ووفقكم لكل خير في الدنيا والآخرة، سوف نشير إلى ثلاث نقاط في مقام الإجابة عن سؤالكم:
النقطة الأولى: في لا بديّة برّ الوالدين بغض النظر عن كيفية معاملتهم لأبنائهم، وتوضيحه أنه لا بد من تثبيت موقفكم من توجهكم في البحث عن كيفية برّ والدكم بالرغب من كل ما ذكرتموه من سوء معاملتهم لكم، لأن برّ الوالدين لا ربط له بكيفية تعاملهم مع أولادهم فعن الإمام الباقر عليه السلام "ثلاث لم يجعل اللّه عزَّ وجلَّ لأحد فيهنَّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبر الوالدين برّين كانا أو فاجرين" الكافي ج2 ص159.
وكذلك عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة.
بطبيعة الحال أن حسن معاملة الأهل لأولادهم فيه إعانة على برهم لهم ولكن لا يتوقف برّ الأولاد على حسن معاملة الآباء لهم.
النقطة الثانية: في الموقف الشرعي لمسألتكم
الواجب على الولد تجاه أبويه أمران:
الأول: الإحسان إليهما بالإنفاق عليهما إن كانا محتاجين، وتأمين حوائجهما المعيشية، وتلبية طلباتهما، فيما يرجع إلى شؤون حياتهما في حدود المتعارف والمعمول حسبما تقتضيه الفطرة السليمة، ويعد تكرها تنكرا لجميلهما عليه، وهو أمر يختلف سعة وضيقا بحسب اختلاف حالهما من القوة والضعف.
الثاني: مصاحبتهما بالمعروف، بعدم الإساءة إليهما قولا أو فعلا، وان كانا ظالمين، وفي النص " وإن ضرباك فلا تنهرهما وقل: غفر الله لكما".
وعليه النتيجة أنّ العقوق المحرم فقهيا حدّه انتفاء أحد الأمرين السابقين، ويعود تشخيّص ذلك إليكم في فعلكم أو ترككم لما لا يتلائم مع الإحسان والمصاحبة بالمعروف، وإن كان أنه لم يظهر لنا بحسب ما ذكرتكم ما يعتبر منافيا لهما.
النقطة الثالثة: في مقام النصح لكم
انطلاقا من قوله تعالى في الآية السابعة من سورة الإسراء {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم}، فإن كل سعي وجهد يبذل في مقام ترويض هذه النفس على مزيد تحمل وسعة صدر في كيفية تفاعلها مع الآخرين هو مغنم ومكسب لها أولا وبالذات، فليس الإحسان إلى الآخر مرجعه إلى نفع الآخر فقط، في كثير من الأحيان نحن من نرسم مساحة تحملنا بحسب سعة صدرنا وضيقه، لا ينبغي لنا أن نعتبر أن عجزنا عن التحمل هو كاف في تركنا السعي لمزيد منه، وذلك أنّ انشراح الصدر هو هداية خاصة يقول تعالى في الآية 22 من سورة الزمر {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعد في السماء} فانشراح صدر وسعته هو آية وكاشف عن الهداية، وهو أمر ينبغي أن نسأل الله تعالى أن يمّن علينا به، وأن نسعى لخوض كل المقدمات التي من شأنها أن تحمل ذلك التأثير الإيجابي عليه، فالقلب الكبير له قدرة على التحمل والصبر أكثر من غيره، هكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وهكذا ينبغي أن يسعى لأن يكون كل من يتخذه قدوة وأسوة، ربما قد يكون من المعين لكم هو عدم الوقوف على كيفية تصرفاته معكم ومحاولة الانشغال بدلا عن ذلك بالأسباب التي أوصلته إلى هنا، ربما قدرتكم على تحليل الأسباب تعطيه مساحة من المعذرية في داخلكم تسهّل عليكم تحمله والتعامل معه بطريقة أفضل.
والله أعلم