وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
بداية لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أن موضوع الجنس حاضر بقوّة في الديانة الإسلامية، بوصفه ظاهرةً معترفاً بها غير منبوذة، بل راجحة، كما تؤكّده النصوص التي تناولت في تعاليمها معالجة الموضوع الجنسي عبر تنفيس الاحتقان من جهة سيما ما يتعلق بالزواج المنقطع، وعبر الحد من العناصر الخارجية المثيرة له من جهة أخرى، وهذه صورةً ممتازة للإسلام في احترام الغرائز الحيوانية عند الإنسان فالاسلام تكامل مع نفسه في هذا الموضوع حيث مارس حثا على ضبط النفس، وقد نقل لنا في القرآن الكريم نماذج نقتدي بها كما في قصة النبي يوسف عليه السلام حيث فضل السجن على ارتكاب الفاحشة، كما مارس الاسلام ضبطا للوضع الاجتماعي بتشريعه للستر والحياء وضبط العلاقات وامور النظر والكلام وغيرها.
وهنا ينبغي الاحتكام إلى الحكمة والرشد في مقام التعامل مع العامل الجنسي في شخصية الفرد، إذ لا شك ان للكبت آثاره السلبية التي تظهر في مواضع عدة من الشخصية الانسانية على شكل نتوءات، ولا خلاف على صعوبة التعامل مع التفلت الاخلاقي الموجود في المجتمعات بشكل عام، ولا ينبغي قمع الحاجات العاطفية أو الجنسية تحت ضابطة تحفظ لا ترجع بتمامها إلى دليل واضح بالكيفية المخصوصة، فالشريعة اباحت بعض المسائل للمكلف بصراحة ليحتكم إليها في مقام الفعل ضمن العديد من الضوابط والأسس التي تحكم أي سلوك من الحكمة والكيفية الرشيدة، وبالتالي على الفرد والمجتمع تحمّل مسؤولية تكييف ظروف هذه التشريعات بالطرق التي تمكنهم من الاستفادة منها، ومسألتنا من هذا القبيل بامتياز، فالزواج المنقطع حل ومتنفس من الاحتقان وله جملة من الحِكم التي يمكن استنتاجها بل قد ورد جملة من الروايات في الحث عليه فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يستحب للرجل أن يتزوج المتعة وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة(وسائل الشيعة، ج21، ص: 15)
وبالاسناد عن أحمد بن محمد، عن ابن أشيم، عن مروان بن مسلم، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع تَمَتَّعْتَ مُنْذُ خَرَجْتَ مِنْ أَهْلِكَ قُلْتُ لِكَثْرَةِ مَا مَعِيَ مِنَ الطَّرُوقَةِ أَغْنَانِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَ وَ إِنْ كُنْتَ مُسْتَغْنِياً فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُحْيِيَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ص. ( وسائل الشيعة، ج21، ص: 15)
إلا أن ذلك لا يعني تطبيقه كيفما اتفق.
انظر الآن إلى حكم اباحة شراء سيارة مثلا، لو سألك شاب ما، هل تنصح الشاب في مقتبل العمر أن يقتني سيارة؟ من الناحية الفقهية لا اشكال فيه فهو مباح له، إلا أن هذا لا يعني أن اقوم بشراء أي سيارة لأي أحد، إذ يبقى ضمن الحسبان في مقام الاحتكام إلى هذا الفعل العديد من المسائل التي يتعين على الانسان أخذها بعين الاعتبار فقد يرى والد أن ابنه الاصغر رشيد ومتزن وان شراء سيارة له أمر لا جوانب سلبية فيه، ولكن ابنه الاكبر لعلمه بتهوره وطيشنته وعدم اتزانه في مسلكياته قد يطمئن أن شراء سيارة له هو باب سوف يفتح عليه العديد من المشاكل، والان بعد ذلك ان اردت ان تطلق حكما عاما او نصيحة عن شراء سيارة لشاب بماذا سوف تجيب؟
بنظرنا المتواضع المسألة تخضع لجملة من الامور التي لا بدّ من اخذها بعين الاعتبار، وهنا دور الحكمة والرشد في التشخيص وحسن الاختيار سواء لأصل الفكرة أو لبعض تفاصيلها، وعليه، بالمحصلة قد نقف أمام حالة شاب وننصحه بالاقدام على هذا الامر، ولا نعبأ بشيء من السلبيات التي ذكرتها في السؤال، وقد لا ننصحه بذلك، تماما كما هو الحال في العديد من الشؤون الحياتية للمرء.
دمتم موفقين لكل خير.