ورد في زيارة الامام المهدي نهار الجمعة "السلام عليك أيها المهذب الخائف" مما يخاف الإمام وهو الصمصام المنتقم؟
تاريخ اليوم
تاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoتاريخ اليوم:
تاريخ اليوم
اللغة:
حجم الخط:
الوضع الليلي | النهاري
brightness_autoوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ذكر السيد ابن طاووس رحمه الله في كتاب (جمال الأسبوع) هذه الزيارة للإمام الحجّة في أيام الجمعة المخصصة له صلوات الله وسلامه عليه:
{السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللَّهِ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ الْمُهْتَدُونَ وَيُفَرَّجُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُهَذَّبُ الْخَائِفُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ النَّاصِحُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سَفِينَةَ النَّجَاةِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ الْحَيَاةِ} (جمال الأسبوع: 37).
كما ورد في دعاء الافتتاح: {اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّ أَمْرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ، وَالعَدْلِ المُنْتَظَرِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ، وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمِينَ. اللّهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلى كِتابِكَ، وَالقائِمَ بِدِينِكَ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الأَرْضِ كَما اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ، مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْنا، يَعْبُدُكَ لا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً}.
وقبل الإجابة عن سؤالكم الكريم، لا بدّ من تقديم مقدمة: في بيان أوضاع الحكام قبل زمان الإمام فنقول:
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم، فصبوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم، وقتلوهم تحت كلّ حجر ومدر، ولم يرعوا أيّة حرمةٍ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في عترته وبنيه، ففرضوا الإقامة الجبرية على الإمامين الزكيين الإمام علي الهادي ونجله الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) في (سامراء) وأحاطوهما بقوةٍ مكثفة من الأمن رجالاً ونساءً، وما ذلك إلا للتعرّف على ولادة الإمام المنتظر لإلقاء القبض عليه، وتصفيته جسدياً، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعن أوصيائه الأئمة الطاهرين أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأنه هو الذي يقيم العدل، وينشر الحق، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم، ويزيل حكم الظالمين، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه.
وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام (عليه السلام)، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام ممن يُظن أو يُشتبه في حملهن. وهذا كان هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام (عليه السلام) وعدم ظهوره للناس. وقد علل بذلك في حديث زرارة، فقد روى أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره)، فبادر زرارة قائلاً: لَم؟ فقال (عليه السلام): (يخاف القتل).
ويقول الشيخ الطوسي: ((لا علة تمنع من ظهور المهدي إلاّ خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار)) (الغيبة: 199).
وهنا يأتي سؤالكم الكريم، فما معنى أن يخاف الإمام القتل؟
إنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام مبرؤون من الخوف على أنفسهم من القتل في سبيل الله، وهم أشجع الناس في زمانهم، وقد ضحّوا بنفوسهم الغالية جميعاً من أجل الدين الإسلامي، وقد أثبتوا ذلك في ساحات القتال والدفاع عن العقيدة والشريعة، وعندما هدّد ابن زياد الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام في الكوفة بالقتل، قال له السجاد عليه السلام : "أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة(1)" فأئمة الهدى في قمة الشجاعة، وإنما غيبة الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هي من أجل الحفاظ على مشروعه الالهي العظيم و الدور المكلف به لا مجرد الحفاظ على نفسه من القتل.
ومثله كمثل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله عندما اختفى في الغار، فلم يكن اختفاؤه خوفاً على نفسه، بل على مشروعه الإلهي العظيم، حيث إنّه صلى الله عليه وآله كان الأشجع ومواقفه في الحروب معروفة، يقول فيه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي يُضرب به المثل في الشجاعة: "كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ (2)".
فالخوف الذي نتحدث عنه هو خوف على المصالح العامة والرسالة الملقاة على عاتق الامام وخوف على المشروع الإلهي، وبالأخص بعد ظهور عزم القوم على قتله كما تقدّم وهو في صغر سنّه، ونظير ذلك حصل للأنبياء والأئمة السابقين كما في قصة النبي موسى على نبينا وآله وعليه السلام.
دمتم موفقين لكل خير.
المصدر:
1. خطب الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بعد قتل أبيه، فقال في خطبته: "لقد حدثني حبيبي جدي رسول الله صلى الله عليه و آله: "أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته و صفوته، ما منا إلا مقتول أو مسموم" ، أنظر: كفاية الاثر: 162.
2. نهج البلاغة: 520، طبعة صبحي الصالح.