وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله عز وجل لداود عليه السلام:
يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ وَ أَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ قَالَ كَيْفَ أُبَشِّرُ الْمُذْنِبِينَ وَ أُنْذِرُ الصِّدِّيقِينَ قَالَ يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ أَنِّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَ أَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ وَ أَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ أَلَّا يُعْجَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسَابِ إِلَّا هَلَكَ ( الكافي (ط - الإسلامية)، ج2، ص: 314)
وليس ذلك إلا للعذاب، فوفق العدالة فإن ثواب عبادات العبد لا تعادل شكر واحدة من نعمائه، فإذا علمت أن الصديقين على الرغم من أنهم مطهرون من الذنب والمعصية، جميعا هالكون في الحساب، فماذا نقول أنا وأنتم؟..هذا كله عندما تكون أعمالنا خالصة من الرياء الدنيوي والموبقات والمحرمات وقلما يحصل لنا خلوص عمل من الرياء والنفاق.
تأمل في قول الامام عليه السلام: "َ إِلَهِي مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لَا تَكُونُ مَسَاوِيهِ مَسَاوِي" (بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج95، ص: 226)
تأمل في قوله عليه السلام: "ُ لَسْتُ أَتَّكِلُ فِي النَّجَاةِ مِنْ عِقَابِكَ عَلَى أَعْمَالِنَا بَلْ بِفَضْلِكَ عَلَيْنَا لِأَنَّكَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَة" ( مصباح المتهجد و سلاح المتعبد، ج2، ص: 585)
تأمل في قوله عليه السلام: " وَ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طَاعَتِكَ وَ إِنِ اجْتَهَدَ إِلَّا كَانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقَاقِكَ بِفَضْلِكَ (3) فَأَشْكَرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، وَ أَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِك" (الصحيفة السجادية، ص: 162)
إن مناجاة صفوة الله -من الأنبياء والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم - مشحونة بالاعتراف بالتقصير والعجز عن مقام العبودية، فعندما يعلن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله أفضل الكائنات وأقربها إلى الله قائلا: ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك فماذا سيكون حال سائر الناس؟؟؟ لا نتكلم هنا عن المعاصي يا عزيزي حق العبادة والشكر..فكيف بالمعاصي والذنوب؟؟
هؤلاء العظام العالمون بحقيقة نسبة "الممكن" الى "الواجب" إنهم يعلمون أنهم لو قضوا جميع أعمارهم في الدنيا بالعبادة والطاعة والتحميد والتسبيح لما أدوا شكر نعم الله، فكيف يمكن أداء حق الثناء على ذاته وصفاته المقدسة؟ إنهم يعلمون أن ليس لموجود شيء، فالحياة والقدرة والعلم والقوة وسائر الكمالات الأخرى هي ملك لكماله تعالى، و"الممكن" فقير، بل فقر محض يستظل بظله تعالى، وليس بمستقل بذاته، أي كمال يملكه "الممكن" بنفسه لكي يتظاهر بالكمال؟ وأية قدرة يمتلكها لكي يتاجر بها؟ أولئك العارفون بالله وبجماله وجلاله شاهدوا شهود عيان نقصهم وعجزهم وشاهدوا كمال "الواجب" تعالى، وإنما نحن المساكين ران حجاب الجهل والغفلة والعجب على قلوبنا وغشى أبصارنا وأسماعنا وعقولنا وكافة قوانا المدركة بحيث أخذنا نستعرض عضلاتنا في مقابل قدرة الله، إن جهلنا هو سبب جميع ما يلحق بنا من سوء التوفيق، وهو الذي ابتلانا بجميع هذه الظلمات والمكدرات، للأسف باتت عيون معارفنا عمياء وقلوبنا ميتة، وهذا سبب جميع المصائب ولكننا مع كل ذلك لسنا حتى بصدد إصلاح أنفسنا بل نظن أننا بهذه الطاعات الممزوجة بالشرك الخفي وطلب السمعة وألف مصيبة أخرى التي تحول دون قبول العبادات نظن أننا بها نستحق الاجر من الحق تعالى.
لما يغيب عن قلوبنا الخوف يا ترى؟ ألا يجب أن نخاف من ذنوب ربما لم تغفر ؟ ومن عبادات ربما لم تقبل؟ ومن عمر لا نعلم كيف يختم؟
أنظر الى الطفل إذا لم يكن يعلم ما هي الأفعى ربما سوف يمسكها بيده وربما يضع اصبعه في فمها وليس غياب الخوف عن قلبه إلا بسبب جهله، فالخوف من اسبابه العلم والمعرفة، "إنما يخشى الله من عباده العلماء" ونحن يا عزيزي لجهلنا بالله تعالى وبعظيم سلطانه وجلالة قدره، نقيم وزنا لأعمالنا ونراها لائقة، وربما قد نعجب بها ونتدلل عليه سأل موسى بن عمران على نبينا وآله وعليه السلام الشيطان: أخبرني بالذنب الذي إذا ارتكبه ابن آدم استحوذت عليه، قال إذا اعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينيه ذنبه.
هل واقعا نحن نلتفت إلى مداخل الشيطان وحيله ومكائده أم نرى فكرنا معصموما واعتقادنا مصونا، علينا أن نتسلح بسلاح العلم والمعرفة وأن نرجع إلى قلوبنا لنغسلها بالتوبة والدموع كي يتسنى لنا العبور بسلام، أبليس والدنيا ونفس والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي..
السير والسلوك ليس إلا طاعة الله وعبادته والمضي على هدي محمد وآله صلوات الله عليهم اجمعين، وليس هو محل تردد لكي نفرق لكم بين حالة السير وعدمه، {يا أيها الإنسان أنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} كلنا سائرون، المسألة في كيف ينبغي ان نسير لذا ننصحك عزيزي بمراجعة خطبة المتقين للامام علي السلام والاستماع إلى شرحها يوجد لها شرح مرئي على اليوتيوب للشيخ اليزدي رحمه الله، وكذا الاستفادة من كتبه لا سيما كتابه الموعظة الخالدة "هي دروس في شرح وصية أمير المؤمنين لابنه الإمام الحسن المجتبى، أو كتاب وصايا الإمام الصادق (ع) للسالك الصادق، أو وصايا الالهية، كما ننصحك بقراءة كتاب معرفة المعاد للعلامة محمد حسين الطهراني، هو كتاب من عشرة أجزاء يذكر فيه العلامة أبحاثا نفسية جدا حول مقام الانسانية وحقيقة الدنيا والآخرة والمحطات التي يعبرها الانسان في رحلة الآخرة فإن ابحاث المعاد ومسائله لها وقع خاص نظرا لما يحمله ذكر الموت من آثار على قلب الانسان فيما لو اتصل به.
بارك الله بك ورعاك وسدد وايدك ووفقك لما يحب ويرضى.