توجيه رواية إياكم ونكاح الزنج

Question

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لدي سؤال بخصوص حديث قرأته في كتاب "الكافي" لمحمد بن يعقوب الكليني. يقول به : "عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (a.s) قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (a.s) إِيَّاكُمْ وَنِكَاحَ الزِّنْجِ فَإِنَّهُ خَلْقٌ مُشَوَّهٌ." ما المقصود به؟ و ما مدى صحة هذا الحديث و صحة هذا الكتاب؟
شكراً لكم

Answer 1

وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته

لنا مع هذا الحديث وقفتان للإجابة عن سؤالكم حفظكم الله ورعاكم:

الوقفة الأولى: سندية

هذا الحديث قد ورد في كتاب يعد من أهم مصادرنا وعليه المعول في كثير من أمور ديننا ويعد من أصح الكتب عندنا سندا و أعلاها اعتبارا لثقة الإسلام المحدث الجليل الشيخ الكليني( قدس سرّه) وقيل في مدحه الكلام العظيم ونسأل الرب الرحيم أن يحشره مع محمد وعترته الطاهرين و جزاه الله عنا خير جزاء المحسنين

الوقفة الثانية: دلالية:

إن الشيخ الكليني( قدس) رحمه الله قد أورد الحديث المذكور مفتيا بالكراهة ومعه فلا حرمة من الزواج منهن وهو على الشكل التالي:

(باب) * (من كره مناكحته من الأكراد والسودان وغيرهم) * 1 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إياكم ونكاح الزنج فإنه خلق مشوه (1).

وقبل الدخول في شرح الرواية وبيان الوجوه التي ذكرت والأمور التي احتملت لا بدَّ من التنبيه على أمر عام من شأنه أن يعيننا على فهم هذه الرواية و نظائرها وهذا يسهل علينا الأمر في كيفية توجيهها:

إنّ نبي الرحمة و منقذ الأمة بيّن نظرية الإسلام وبنى عليه الأحكام بأن دين الله ميزانه واضح لا شك فيه و لا شبهة تعتريه وهو أنّه لا فرق بين الأبيض والأسود و العربي و الأعجمي إذ إنَّ ميزان التفاضل هو التقوى فالأكرم هو الأتقى لكون المولى لا ينظر إلى صورنا ولون بشرتنا وإنما إلى قلوبنا و أعمالنا فمن كان منَّا متلبسا بالتقوى حظي بالمقام الأعلى ونال الدرجة القصوى عند المولى.

ومعه فحتما لا يراد من الخلق المشوه في النهي عن المناكحة بسبب سواد بشرته أو عدم جمال صورته لأنَّ المؤمن كفؤ المؤمنة من غير نظر للونه وعِرقه وهيئته

وبناء عليه فنحن بعد إغضائنا عن سند بعض المرويات فإن ما جاء بهذا المضمون قد ولد مقيدا بهذه التقييدات، ولأجل ذلك سنورد ما يمكن أن يذكر من المحتملات، وإلا فإن لم نستطع إيجاد محامل نرد علمها إلى أهلها لمخالفتها لصريح الآيات، وما يمكن ذكره من محتملات كثيرة نكتفي بذكر اثنين منها وهي على الشكل التالي:

الأول :أن الرواية جاءت على نهج القضية الخارجية لا الحقيقية بمعنى أنها تتحدث عن أقوام خاصين معروفين مشار إليهم تلبسوا بطبائع خاصة وظروف معينة جعلت أمام الزواج بهم عقبة تحول دون نجاح الأسرة .

وحتى ما جاء من النهي عن الزواج بالأكراد لأنه قوم مسهم الجن على حسب بعض التعبيرات فالمراد منه أيضا ما ذكرناه لكونهم كانوا يستترون بالجبال و يعيشون حالة الإنطواء و الابتعاد عن الناس و الإنزواء ولأجل ذلك لا نحمل لفظة الجن على المخلوق الذي خلقه الله وإنما على معناه اللغوي بمعنى الاستتار

ومتى ما كان الانسان كذلك فإن الزواج به لن يكون ناجحا و مآله إلى الفشل فتأتي الشريعة مرشدة ومن الزواج منهم محذرة من السير في هكذا زواج لعدم صلاحيتهم لبناء حياة مستقرة وبالأخص على الصعيد الاجتماعي وأما اليوم فإن المحذور مرتفع فيرتفع معه النهي حينئذ لتبدله.

ثانيا يحتمل أنه جاء النهي لمحذور الاسترقاق (فإنَّ الإبنَ يتبعُ الأمَّ في الحُرّيّةِ والرّقيّةِ) فلكي لا نوقع أولادنا بهذه الظاهرة التي سعى أئمة أهل البيت لإطفائها و العمل عليها و إنهائها فتأتي الشريعة لتحذرنا من الزواج منهن

وبناءً عليه وطالما أنّ ظاهرة الاسترقاق قد انطفأت و نراها اليوم شبه انتهت فيرتفع المحذور حينئذ من الزواج منهن.

والحمدلله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين

---

المصدر:

(1) الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٣٥٢